الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد:
كل مسلم حريص على أداء مناسك الحج، لما للحج من فوائد عظيمة، وآثار كثيرة، تعود بالنفع على الأفراد والمجتمعات، فالحج سبيل التقوى، وبه النجاة من النار، ولزوم أعمال الخير والبر، وهناك أمور يجب على الحاج أن يتنبه لها قبل الحج، لأنها من أسباب موانع قبول الحج والدعاء، ومن أسباب عدم قبول العمل الصالح، وسأذكر للحاج الكريم، شيئاً من تلك الأمور، حتى يدرك خطر فعلها، وعظيم جرمها، فيبتعد عنها، ويسلك له حجه، ويرفع له عمله، ويقبل منه دعاؤه، وهذه الأمور عبارة عن دروس مهمة، وحبذا لو قرأ كل درس في ليلة مستقلة، حتى لا تتكدس الدروس في يوم واحد، فينس آخرها أولها، فتفقد ثمرتها، ولا تجنى نتائجها، ومن تلك الدروس ما يلي:
الدرس الأول: تقوى الله عز وجل:
التقوى ملاك كل أمر وهي من أسس ودعائم الإيمان بالله تعالى وحقوقه جل وعلا على عباد فالتقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل والرضا بالقليل.
فتقوى الله عز وجل أن تجعل بينك وبين عذابه وقاية وذلك باتباع الأوامر واجتناب النواهي بفعل كل طاعة تقربه إلى ربه سبحانه باتباع ما جاء في الكتاب والسنة من أوامر وطاعات وقربات لأن غاية ما يتمناه الإنسان هو الفوز بالجنة والنجاة من النار فهذا هو الفوز الحقيقي والسعادة التي لا مراء وجدال فيها لقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [سورة آل عمران: 185]، ومن ذلك أيضاً ترك كل معصية تبعد العبد عن ربه سبحانه وتعالى مما يبعده عن الجنات ويقربه من النيران وذلك باجتناب كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم في الدستورين الكتاب والسنة المطهرة.
فالفوز والنجاة لمن خاف المولى جل وعلا وعمل بما جاء في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فمن استمسك بالقرآن الكريم فقد استمسك بالصراط المستقيم والنور المبين الذي من تمسك به لن يضل بإذن ربه أبداً يقول الله تعالى: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [سورة الإسراء: 9].
والتقوى هي وصية الله للمؤمنين الأولين والآخرين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} [سورة النساء: 131]، فمن أراد النجاة فعليه بالتقوى ومن أراد الصلاح فليه بالتقوى ومن أراد الجنة فعليه بالتقوى.
فتقوى الله عز وجل هي السبيل إلى ذلك كله.
فطوبى لمن كانت التقوى لباسه وزاده قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [سورة الأعراف: 126]، وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [سورة البقرة: 197]، فتقوى الله عز وجل مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، وهي سبب تكفير السيئات ومغفرة الذنوب وزيادة الرزق وإعظام الأجر وفي التقوى يكون تيسير العسير وتفريج الكربات وغير ذلك مما يطلبه المسلمون والمسلمات يقول رب الأرض والسموات في محكم التنزيل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: 2-3]، ويقول جل شأنه: {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سورة الأنفال: 29]، وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [سورة الطلاق: 5].
ولقد كان من دعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» [رواه مسلم].
فما أجمل التقوى من لباس وما ألذ التقوى من زاد.
الدرس الثاني: أداء الأمانات على أهلها:
على الحاج وغير الحاج والحاج خصوصاً أن يقوم بأداء الأمانات إلى أهلها وإرجاعها إلى أصحابها حتى يكون في حل منها عندما يلقى ربه سبحانه عند موته وفي قبره ويوم بعثه وحشره فمن أخذ شيئاً من الله فعليه أن يبادر بإرجاعها وإعادتها إلى أصحابها حتى تبرأ ذمته منها ويسعى لذلك ما استطاع إليه سبيلاً، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء: 58]، والأمانات من حقوق الخلق على بعضهم البعض وهي من الحقوق التي أساسها الشح فيوم القيامة يحتاج الإنسان إلى حسنة يدخل بها الجنة وينجو بها من النار فقد لا يجد هذه الحسنة إلا عند من له عنده أمانة لم يؤدها له فيأخذها يومئذ حسنات، فذلك اليوم الذي لا ينفع فيه درهم ولا دينار وإنما هي حسنات وسيئات، فطوبى لمن تجرد من أمانات الناس ولقي ربه طاهراً نقياً وويل لمن ضيع الأمانة وفرط فيها.
فبادر أخي الحاج بأداء الأمانات إلى أهلها وإيصالها إلى مستحقيها فإن صدقت الله عز وجل وأخلصت له في ذلك صدقك الله وجعل لك من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً وجعل لك مع العسر يسراً، وسهل لك إلى أداء الأمانات طريقاً ومسلكاً.
الدرس الثالث: ترك الدنيا الزائلة والتعلق بالآخرة الباقية:
لقد حذر الله عز وجل من الاغترار بالدنيا وأنها دار ممر لا دار مقر ورهب من اتخاذها وطناً وسكناً وأنها غادرة ماكرة فليحذرها المؤمن قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [سورة الحديد: 20].
وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [سورة الحديد: 20]، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [سورة آل عمران: 185].
فمتى استيقن الإنسان المؤمن أن الموت حق والساعة حق استعد لذلك اليوم الذي لا مفر منه ولا مهرب استعد بالأعمال الصالحة، وتقرب إلى الله بالطاعات، وفعل الخيرات وترك المنكرات، والحذر من المحرمات والمكروهات، وأطاع الرحمن، وعصى الشيطان، واتبع الهدى وما يقرب للجنان، وابتعد عن الهوى وما يقرب للنيران.
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاغترار بالدنيا والركون إليها وأنها دار عمل ثم الانتقال إلى دار الجزاء والحساب قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً» [حسنه الألباني وقال حسن غريب]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر ما تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» [رواه مسلم].
أخي الحاج:
اعلم أن هذه الحياة الدنيا دقائق وساعات فما تلبث أن يفجأك الموت فاعمل لغدك واعلم أن ساعات عمرك ثلاث:
ساعة مضت لا تدري أقبل منك فيها أم لا.
وساعتك التي أنت فيها فاغتنمها بالأعمال الصالحة.
وساعة قادمة لا تدري أتدركها أم لا.
فأقبل على الله واشتر الباقي بالفاني وارغب في الكثير وازهد في القليل.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا اللهم أنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول في جناتك جنات النعيم.
الدرس الرابع: الحذر من الدَّين:
إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته وحده دون شريك له ولهذا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات: 56]، فالجميع مخلوق لله معبود لله والله جل وعلا قدر للناس الأرزاق، قال تعالى: {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ} [سورة النحل: 71].
وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [سورة الذاريات: 22]، فالناس يتفاوتون في الأرزاق من حيث الكثرة والقلة، فمنهم الغني ومنهم الفقير، ومنهم بين ذلك، والكل فقير إلى الله، والله هو الغني سبحانه له ملك السموات والأرض وبيده خزائن السموات والأرض.
فعلى الغني أن يسعى جاهداً لمساعدة الفقراء والمحتاجين والأرامل والمعوزين واليتامى والمساكين هذه هي صفات المؤمن كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات: 10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم» [رواه البخاري ومسلم]، وهكذا هي حياة المسلمين تعاون وتراحم وتعاطف، فالمسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وإن بعض الناس لم يحسن التوكل على الله في طلب الرزق الحلال بل تعدى ذلك إلى أخذ أموال الناس وأكلها بالباطل فتراه لم يقنع بما آتاه الله من فضله بل طمع لما في أيدي الناس.
وان كان ما عنده يكفيه لو صرفه حسب حاجته فقط ولم يتعد ذلك إلى الكماليات فأوقع نفسه في ديون الناس وأخذها ولم يدر بخلده يوماً أنه سيرجعها بل قابل الإحسان بالنكران والله يقول: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [سورة الرحمن: 60]، وما علم ذلك المسكين أن تلك الأموال التي أخذها ممن أحسن إليه أنها ستكون وبالاً عليه في قبره ويوم محشره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة» [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» [رواه البخاري].
فالأمر خطير والخطب جسيم فاتقوا الله أيها المسلمون واتق الله أيها الحاج برد أموال الناس إلى أصحابها قبل أن يكون يوم لا دينار فيه ولا درهم ولكنها الحسنات والسيئات.
الدرس الرابع: العلم تعلمه وتعليمه:
للعلم منزلة عليا ورتبة كبرى فلقد امتدح الله العلماء وميزهم عن غيرهم لأنهم عرفوا الحق فاتبعوه وعرفوا الباطل فاجتنبوه لقد أفنوا أعمارهم في طلب العلم لما له من فضل عظيم عند الله تعالى.
وفي طلبه وتعلمه رفعة في الدرجات وسعادة في الدنيا والآخرة لمن ابتغى به وجه الله تعالى قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [سورة المجادلة: 11]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر: 9].
فالعالم ليس كالجاهل، فالعالم عرف الله حق معرفته، فهو يعبد ربه سبحانه على بصيرة وعلى هدى، يعمل الطاعات ويجتنب الزلات. واعلم أن من خاف الله لا يعصه أبداً، فالعلماء ورثة الأنبياء والأنبياء، لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، فأتقى الناس لله الأنبياء ثم العلماء، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر: 28].
واعلم أيها الحاج أن طلب العلم فريضة وضرورة على كل مسلم حتى يعبد الله على بصيرة ويحذر الوقوع في الخطيئة، فالعلم من أشرف ما يتقرب به إلى الله تعالى، وكم من الناس قد أهلكوا أنفسهم بطغيانهم وتماديهم في العصيان وعدم إقبالهم على العلم تعلماً وتعليماً. وأشرف العلوم كتاب الله عز وجل، فلابد للمسلم من حفظه كاملاً أو حفظ ما تيسر منه، ومن ثم تعلم ما في كتاب الله من الأوامر والنواهي، ولهذا كانت الخيرية لمن تعلم القران وعلمه، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» [رواه البخاري ومسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم خير من فضل العبادة» [صححه الألباني].
وهذا أمر معلوم فمن عبد الله على غير علم فقد يوقع نفسه في كثير من المحاذير بل قد يقع في الشرك، كمن يحلف بغير الله، ومن ينذر لغير الله، ومن يذبح لغير الله، ومن يتقرب إلى الله عن طريق دعاء الأموات، وغير ذلك كثير، فلابد للمسلم أن يتعلم العلم الشرعي حتى يتقرب إلى ربه بما شرعه له نبيه صلى الله عليه وسلم وبما نقل عنه العلماء.
ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم طالب العلم ببشارة عظيمة يسعى لها كل إنسان ويتمناها كل أحد من الناس ألا وهي الجنة فقد قال: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة» [صححه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
فطوبى لأهل العلم لما وعدهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره وولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورَّثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته» [رواه ابن ماجة بسند حسن، ورواه البيهقي وابن خزيمة]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [أخرجه مسلم].
لأجل هذا فضل الله العلماء وأهل الأنفاق والتربية الحسنة فالعالم يخلف وراءه علماً ينتفع به الناس وينتفع به حيث يصله بإذن ربه أجر ذلك العمل لقوله صلى الله عليه وسلم: «أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطا في سبيل الله، ومن علم علما أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له» [صححه الألباني].
فهذه هي منزلة العلم والعلماء عند الله تعالى.
الدرس الخامس: الحذر من الدنيا:
قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر ما تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» [رواه مسلم].
أخي الحاج:
اعلم أن هذه الحياة الدنيا دقائق وساعات فما تلبث أن يفجأك الموت فاعمل لغدك واعلم أن ساعات عمرك ثلاث:
ساعة مضت لا تدري أقبل لك فيها أم لا.
وساعتك التي أنت فيها فاغتنمها بالأعمال الصالحة.
وساعة قادمة لا تدري أتدركها أم لا.
فأقبل على الله واشتر الباقي بالفاني وارغب في الكثير وازهد في القليل.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا اللهم أنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول في جناتك جنات النعيم.
الدرس السادس: الحذر من أمراض القلوب:
من خصائص هذه الأمة أنها خير الأمم وهي الأمة الوسط فلا إفراط ولا تفريط قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [سورة آل عمران: 110]، وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [سورة البقرة: 143]. ولهذا كان أهل هذه الأمة خير الناس لتمسكهم بدينهم وعدم اتباعهم للأهواء فهم اخوة متحابين وعلى الخير متعاونين وعن الشر متناهين فسمتهم الألفة والمحبة والتعاون والتعاطف والتراحم، ولكن للأسف فقد شذ البعض لاتباعهم الهوى والشهوات فأوقعوا أنفسهم في أمراض القلوب وأدوائها فأذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا فهم ما بين غيبة ونميمة وسخرية واستهزاء وكراهية وبغضاء وكذب وشحناء وغير ذلك من أدواء القلوب التي من نتائجها ضيق القلوب وغضب علام الغيوب.
فكل تلك الأمور محرمة منهي عنها شرعاً.
فأما الغيبة فيقول الله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [سورة الحجرات: 12]، وقال صلى الله عليه وسلم : «إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب» [رواه مسلم].
وجاء تحريم الغيبة صريحاً في الكتاب والسنة لتحذير المسلمين من الوقوع فيها لأنها من أسباب العذاب وهي من كبائر الذنوب كما عدها الذهبي رحمه الله في كتابه الكبائر وأوردها بن حجر في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) وعدها من الموبقات المهلكات والعياذ بالله وقد جاء تعريف الغيبة صريحاً في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟»، قالوا: "الله ورسوله أعلم؟"، قال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قيل: "أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟"، قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» [أخرجه مسلم].
وأما النميمة فهي أشد خطراً وأعظم فتكاً من الغيبة لأنها تسبب التفكك الأسري والاجتماعي، فكم من أسر تفككت وكم من بيوت دُمرت وكم من نيران اشتعلت وكل ذلك بسبب النميمة، والتي قال الله فيها: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} [سورة القلم: 11]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام» [رواه مسلم].
وعن بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
قال العلماء: معنى وما يعذبان في كبير: أي كبير في زعمهما وقيل كبير تركه عليهما.
فالنميمة هي: نقل الكلام من شخص إلى آخر بقصد الإفساد والتفريق بين الناس.
الدرس السابع: تذكر الآخرة والتزود لها:
جعل الله تعالى الدنيا ميدان سباق يتسابق فيه الناس بالخيرات لأجل الفوز بالجنات والنجاة من يوم الحسرات فالناس في هذه الدنيا فريقان شقي وسعيد، فأما من عصى الله ورسوله واتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني فهو الهالك، من رضي الدنيا وطناً وسكناً ومقراً هو الخاسر، من طغى وآثر الحياة الدنيا على الحياة الأخرى فإن الجحيم هي المأوى، من ركن إلى الدنيا وبهرجتها من رضي الهوى إلـه من دون الله وأعطى نفسه هواها فهو صاحب التجارة المزجاة، من اتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد باء بعذاب الله.
قال تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [سورة الكهف: 50]، ويقول تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [سورة هود: 106 - 107]، وقال تعالى : {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [سورة العنكبوت: 64]، وقال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ...} [سورة التكاثر]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» [رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» [رواه البخاري].
فاحذر أيها الحاج من الدنيا وزينتها وأحذر من الدنيا وزخرفها فإنها براقة خداعه جميلة مكارة فانظر كم مات قبلك من الرفعاء والوضعاء وكم فارق الدنيا من الصغار والكبار فهل تحسب أنك ستخلد في هذه الدنيا ؟ لا والله مصداقاً لقول ربنا جل وعلا: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [سورة الأنبياء: 34-35].
وأما من عصى الهوى وكبح جماح النفس وأرضى الرحمن وأغضب الشيطان فأولئك هم المفلحون.
من خاف مقام الله عز وجل وأطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك هم الفائزون أولئك الذين يبشرهم ربهم برحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً.
من تمسك بعُرى الدين والتزم أوامر الشريعة وترك مجالات الأهواء واعتصم برب الأرض والسماء فأولئك هم السعداء أولئك الذين تاجروا مع ربهم التجارة الرابحة التجارة التي لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله.
من تركوا الدنيا واتجهوا للآخرة من تركوا الشهوات وأقبلوا على الطاعات راجين الحسنات وجلين من السيئات أولئك هم حزب الله حافظه وراعيه أتراه يضل؟، كلا والله قال تعالى: {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [سورة يوسف: 64].
فهلا أقبلت أيها الحاج على الأعمال الصالحة؟، فإنك والله مرتحل من هذه الدنيا ومقبل على رب رؤوف رحيم شديد العقاب.
واحمد الله عز وجل أن أبقاك إلى هذا العمر فقد أعذرك الله وسيؤاخذك على أقوالك وأعمالك فتزود بالتقوى والإخلاص وتجرد من الهوى والشيطان قال صلى الله عليه وسلم: «أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة» [أخرجه البخاري].
وأكثر من ذكر الله عز وجل على كل حال فأنت مرتهن بعملك، قال صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله» [ متفق عليه ] .
الدرس الثامن: وسائل الفساد:
يجب على المسلم أن يطهر بيته من كل شائبة وقادحة فالبيت عنوان أهله فإن وجدت البيت يضج بكلام الله تعالى وكلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ونسمع أزيز القراء في البيت فبشر أهله بخير بإذن الله تعالى لأن هذا هو البيت المسلم حقاً من التزم أهله الآداب الإسلامية وتحلوا بالأخلاق الإيمانية، فتجد هذا البيت من دروس يومية أبوية إلى سماع لإذاعة القرآن الكريم، إلى تسميع لحفظة كتاب الله العظيم، إلى حفظ المتون، إلى قراءة في كتب الصالحين وحفظ للأذكار، فهو بيت كله ذكر وقرآن فأهله مع الله ومعلقة قلوبهم بالله، ومن كان مع الله فالله معه ولن يضيعه أبداً.
أما البيت الآخر فأهله جياع عراة من العلم فالبيت تعلوه الكآبة وترتسم عليه العبوسة فما إن تمر بجانبه إلا ودندنة خبيثة محرمة أو صوت مسلسل ساقط ماجن أو حفل ساهر ساخط ولعب لورقة محرمة أو مشاهدة لفضائية مدمرة فأهل البيت أغرتهم المنكرات وألهتهم المنكرات وألهتهم المحرمات فشرب للدخان والشيشة وقول للحرام من غيبة ونميمة واستهزاء وسخرية فهم ما بين قيل وقال وكلام بطال والأدهى والأمر من ذلك من يفعل هذه المنكرات أثناء الحج.
فأهل ذلك البيت ساهرون بالليل نائمون بالنهار والله يقول: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} [سورة الفرقان: 47].
والمصيبة العظمى والطـامة الكـبرى تركهـم للصلوات والجمع والجماعات وربهم يأمرهم ويقول لهم: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة: 238]، فكم سمعنا ورأينا بيوتاً قلبها الله على أهلها بؤساً وجحيماً فأهلها من نكبة إلى أخرى ومن فاجعة إلى كبرى فإلى الله المشتكى من حال يكون آخرها نار تلظى، فأهل تلك البيوت ينامون في سخط الله ويقومون في غضب الله والأعمال بالخواتيم.
أخي الحاج: طهر بيتك وقلبك من الفاحشة والرذيلة واحذر من كل عادة سيئة ودخيلة فأنت مقبل على ربك سبحانه راجياً رحمته وخائفاً من سطوته فاحرص رعاك الله على تطهير بيتك من دواعي الفساد والإفساد من منكرات البيوت والأخلاق حتى تتجه إلى الحج طاهر الظاهر والباطن وحتى لا تقع في السؤال فلا تجد للسؤال جواباً. فاتق يا رعاك الله واحفظ نفسك وأسرتك وبيتك من الحرام والمكروه والمتشابه، نسأل الله تعالى لنا ولك حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وعملاً متقبلاً مبروراً وعوداً حميداً وذنباً مغفوراً ونفساً طيبة نقية وعيشة هادئة هنيئة.
الدرس التاسع: الحذر من الربا:
لقد حد الله سبحانه وتعالى حدوداً من تعداها وقع في الحرام وأدى بنفسه للهلاك والدمار وفي تعدي حدود الله ظلم للنفس وهذا الظلم من أشد أنواع الظلم إذ كيف بإنسان وهبه الله عقلاً وحكمة وعلماً وخط خطوطاً لا يتعداها إلى غيرها ثم يترك أمر ربه غير آبه بما أعد له من العقوبة من جراء تركه لأمر ربه سبحانه بل يتعدى ذلك إلى معصية الخلاق العليم وإن مما نهى الله عنه في كتابه عز وجل وحذر من عاقبته السيئة ونهايته المؤلمة (الربا) فقد قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وشبه الله آكل الربا بالمجنون عندما يخرج من قبره إلى محشره فهو يتخبط في الأرض لا يدري ما الخطب وما الأمر كما كان يتخبط في مال الله بغير حق: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [سورة البقرة: 275]، فأكلة الربا يقومون ويسقطون كما يقوم المصروع لأنهم أكلوا الربا الحرام في الدنيا حتى زاده الله في بطونهم حتى أثقلهم يوم القيامة فهم كلما أرادوا النهوض سقطوا ويريدون الاسراع مع الناس فلا يقدرون.
ثم بين المولى عز وجل أن الربا حرب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأمر عباده بالتقوى لأنها خير لباس وأفضل زاد من تحلى بها ترك المحرمات وأقبل على الطاعات ولكن وللأسف: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [سورة يوسف: 103]، فكيف يخوض عبد ضعيف لا حول له ولا قوة حرباً ضروس مع رب الأرض والسماء الذي له جنود السموات والأرض، بل له جنود ولا يعلمها إلا هو سبحانه، إنها حرب غير متكافئة من أقدم عليها من البشر فقد أهلك نفسه وأذاقها ألم العذاب ومر العيش في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة: 278-279]، فكم نرى ونسمع من أهل الربا وآكليه والمتعاملين به عما حل بهم من جنود الله عز وجل، فالسرطان من جند الله وأمراض الشرايين من جند الله، والفقر من جند الله، والموت من جند الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [سورة المدثر: 31]، فالله جل وعلا رغب عباده في الحلال، وحذرهم من مطبة الوقوع في الحرام حتى يرضوا ربهم سبحانه ويخشوا سطوته وعذابه.
ثم جاء التحذير من الربا ولعن صاحبه وطرده من رحمة الله عز وجل وإبعاده عن مرضاته سبحانه وتعالى في قول بن مسعود رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الربا سبعون بابا؛ أدناها كالذي يقع على أمه» [الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1853- خلاصة الدرجة: صحيح لغيره].
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به رأى رجلاً سابحاً في بحر أحمر كالدم وعلى شاطئ البحر رجلاً واقفاً معه حجارة فيأتي الذي في البحر حتى إذا وصل الشاطئ ألقمه الذي على الشاطئ حجراً ثم يسبح حتى يصل وسط بحر الدم ثم يعود فيفقر فاه فيلقمه حجراً وهكذا فعندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن ذلك أخبره أن الذي في وسط البحر آكل الربا والعياذ بالله.
واعلم أيها الحاج أيها المسلم أن الربا وإن كثر فهو إلى قِلّ وأن بركته ممحوقة يقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [سورة البقرة: 276]، فآكل الربا كافر كفر نعمة فخير الله إليه نازل وشره إلى الله صاعد قال تعالى: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [سورة العنكبوت: 67].
وكفران النعمة سبب لتغير الحال وكثرة الأرض والجنون والموت، وسبب لزعزعة الأمن وعدم الاستقرار، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [سورة النحل: 112]، فأكل الربا يترتب على أكله للربا الحرام أموراً عدة منها:
1- الذم والبغض من الناس حتى ممن يأكلون الربا مثله.
2- سقوط عدالته فلا يعد من الشهود العدول لارتكابه أمراً حراماً وكبيرة من كبائر الذنوب العظام ألا وهي أكل الربا.
3- زوال الأمانة فلا يمكن لذو عقل أن يأتمن آكل الربا ولو على حظيرة دجاج فكيف بما أكبر من ذلك.
4- اتصافه باسم الفسق والقسوة والغلظة.
5- زوال الخير والبركة عن نفسه وماله.
6- كثرة المحن والمصائب على آكل الربا من الظلمة واللصوص لأنه لا حق له في هذا المال لجمعه من الحرام.
7- إذا مات آكل الربا ترك ماله كله وحل العذاب الأليم والعقوبة الشديدة بسبب آكله للربا، فقد ورد: "مصيبتان لن يصاب أحد بمثلها أن تترك مالك كله وتعاتب عليه كله".
8- يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام كما ورد ذلك في الحديث وذلك لأن الأغنياء يحاسبون على أموالهم من أين اكتسبه وفيما أنفقه وهذا في المال الحلال فما ظنك بذي المال الحرام.
فوالله إن ذلك هو المحق والنقصان والذل والهوان والمبين من الخسران.
فمن أستحل الربا وأصر على أكله وتعاطيه واستمر على ذلك أدى به إلى الكفر وسوء الخاتمه والعياذ بالله، قال صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات (آي المهلكات)»، قالوا يارسول الله: "وما هن؟"، قال: «الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» [رواه البخاري].
ففي التعامل بالربا مخالفة لأمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور: 63].
وفيه معصية لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وتعد لحدود الله تبارك وتعالى وارتكاب لمحارمه، وقد قال الله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [سورة النساء: 14].
فتأمل أيها الحاج ما ذكره الله عز وجل في الآيات من وعيد لآكل الربا وعظيم ما يترتب على فعل ذلك المنكر العظيم من العقوبات والدخول في النيران فيا من تتعامل بالربا، تب إلى المولى جل وعلا قبل أن يحل بساحتك هادم اللذات ومفرق الجماعات ثم تقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} [سورة الحاقة: 25-29]، فيقال لك: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [سورة الحاقة: 30-32].
فاحذر يا مسكين من عاقبة التعامل بالربا وأقبل على الله بتوبة نصوح تجب ما قبلها من الذنوب والعصيان.
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك اللهم أبعد عنا الغلا والوبا والربا والزنا اللهم اصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابليها.
الدرس العاشر: التحذير من الرشوة:
اعلم أيها المسلم وأيها الحاج: أن في الحلال غنية عن الحرام ولقد كان السلف الصالح رحمهم الله يتركون المباح خوفاً من الوقوع في المكروه وكانوا يجتنبون الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات وكل ذلك من زهدهم وورعهم وتقواهم لله وخوفهم من الله ولهذا قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: 2-3].
وقال صلى الله عليه وسلم: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام».
ولقد أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ليبين للناس ما نزل إليهم فيعرفون الحلال فيقبلون عليه ويعرفون الحرام فيجتنبونه خوفاً من عذاب ربهم وسخطه وشديد عقابه وأليم حسابه.
وإن مما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ( الرشوة) فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [سورة النساء: 29].
وقد جاء اللعن صريحاً على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الرشوة والمتعاملين بها لما في ذلك من إبطال الحق وإحقاق الباطل والعياذ بالله وكثير من الناس لا يتورع عن أكل المال الحرام نعوذ بالله من الخذلان وبعض الناس لا يهمه من أين اكتسب المال أمن حرام أم من حلال فالأمر لديه سيان، لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي [الراوي: ابن حديدة الجهني المحدث: البخاري - المصدر: العلل الكبير - الصفحة أو الرقم: 200- خلاصة الدرجة: مرسل].
واعلم أن الرشوة سحت وكل جسد نبت من السحت أي من الحرام فالنار أولى به.
فكم من حق ضاع وكم من ظلم شاع وكم من باطل ذاع بسبب أخذ الرشوة وأكل مالها الحرام و والله ليسأل صاحب الرشوة عن ماله في قبره قبل وقوفه بين يدي ربه سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية ولا يخفى عليه شئيء في الأرض ولا في السماء بل بركة المال الحرام ممقوته ممحوقة وصاحبها يعيش في نكد وهم وضيق وغم خوفاً من افتضاح أمره وانكشاف سره وهتك ستره فانظر كيف حال أهل الرشوة وأكله المال الحرام خوفاً من العباد ونسياناً لرب العباد.
إن الغنى هو غنى النفس وتطهيرها من الحرام وليس الغنى بكثرة العرض من الدنيا.
ولقد تعددت أسماء الرشوة وأصبح الناس يسمونها بغير اسمها فمنهم من يسميها (هدية) أو (إكرامية) أو غير ذلك وكل ذلك مخادعة لله تعالى الذي يعلم السر وأخفى الذي يعلم ما تخفيه الضمائر وتسره السرائر يقول تعالى: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [سورة النساء: 142].
ومن أشد أنواع الرشوة جرماً وغلظة وتحريماً ما كان أخذها يسبب ظلماً للناس والظلم حرام بجميع أنواعه وأشكاله وصوره فالله جل وعلا يقول: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [سورة الحج: 71].
وجاء التحذير من الظلم العباد على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» [رواه مسلم].
واعلم أيها الحاج وأيها المسلم أن أخذ الرشوة من أسباب دخول النار والعياذ بالله لما فيها من أكل لحقوق الناس وإزهاق للحق وإظهار للباطل وذلك تخوض في مال الله بغير حق وأكل له بالباطل واقتطاع لحقوق المسلمين قال صلى الله عليه وسلم: «إن رجالاً يتخوضون (يتصرفون) في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة».
ومهما بلغ الإنسان من مال من جراء كسب من الحرام من رشوة أو غيرها فهو خبيث عند الله وصاحبه ملعون مطرود من رحمة الله وعليه وزر ذلك المال وعليه دعاء من وقع في مظلمته حتى يردها إلى صاحبها قبل أن تكون يوم القيامة ثم لا درهم ولا دينار وإنما هي الحسنات والسيئات فأحذر يا آكل الرشوة من عاقبتها الوخيمة وخاتمتها السيئة فقد تقع فريسة للموت قبل التوبة فتقول ياليتني تبت قبل فوات الفوت.
ومن أعظم وأفظع أنواع الرشوة ما يُعطاه الحكام ليحيفوا في حكمهم ويجوروا في عدلهم فيحقون الباطل ويبطلون الحق فهم بذلك أخبث الناس وفي أسفل المنازل وأقبح الخلق عند الله ولهذا حذر ربنا تبارك وتعالى من إعطاء الأموال للحكام لأكل أموال الناس بالباطل أو الحصول على حق امرئ مسلم بغير حق فقال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 188].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم» فالإسلام حرم الرشوة في كل صورها وبأي أسم سميت ولا يخرجها ذلك من دائرة الحرام إلى الحلال.
فاتقوا الله أيها الحجاج واتقوا الله أيها المسلمون وتوبوا إلى الله جميعاً لعلكم تفلحون وترشدون خلصوا أنفسكم من المال الحرام قبل أن تحاسبون عليه في قبوركم وعند ربكم فالأمر خطير والخطب جسيم والله سميع بصير وبكل شيء عليم ولا يظلم مثقال ذرة، واعلموا أن الله يمهل ولا يهمل فإذا أخذ الظالم أخذه أخذ عزيز مقتدر فاعتبروا يا أولي الأبصار.
اللهم إنا نعوذ بك من درك الشقاء وشماتة الأعداء وسوء القضاء ونعوذ بك من قلب لا يخشع وعين لا تدمع ومن بطن لا يشبع ومن دعوة لا يستجاب لها، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
الدرس الحادي عشر: الظلم:
إن الله جلا وعلا عليم حكيم لا يأمر ولا ينهى إلا لحكمة بالغة قد يعلمها بعض الناس وقد لا يعلمونها ومما كان له حكمة بالغة تدل على خالق عظيم رؤوف رحيم تواب حكيم تحريمه تعالى للظلم فقد جاء في الحديث القدسي قوله تعالى: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فأن الظلم ظلمات يوم القيامة».
فالظلم حرام بجميع صوره وأشكاله ولهذا أوجب الله طرد الظلمة من رحمته سبحانه وإبعادهم من مغفرته وذلك بلعنهم فقال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سورة هود: 18] وأعلم أيها الحاج الكريم أن الظلم أنواع ثلاثة:
أولها: ظلم العبد لربه وذلك بكفره بربه سبحانه.
ثانيها: ظلم العبد لنفسه بإهلاكها وإقحامها ما لا تطيقه من الأعمال والأقوال وتعدي حدود الله عز وجل وارتكاب النواهي والمحرمات.
ثالثها: ظلم العبد للعبد ،وحدث عن هذا النوع ولا حرج وهو صلب موضوعنا الذي سنتحدث عنه، ولهذا النوع صور شتى فها هو ظلم الأزواج بعضهم لبعض، فالزوج يرى نفسه بطلاً مغواراً ويفرد عضلاته على تلك الزوجة المسكينة والأبناء الضعفاء فيضرب ويكسر ويعنف ويشتم وربما قتل والعياذ بالله وكل ذلك بدافع من عدو البشرية إبليس وذريته نعوذ بالله من شره وكيده وهمزه ونفثه ونفخه، ونسي الأب انه صاحب القلب الكبير والعائل الأول والمربي الفاضل وصاحب الرأي السديد وهو من يلجأ إليه الأبناء في الشدائد بعد الله لتشتيتها وتفريجها وتذليل الصعوبات وإزالة العقبات ثم تقع الكارثة ويصبح الجميع من زوجات وأبناء وبنات تحت وطأة جبار من الجبابرة إذا دخل المنزل لا تكاد تسمع صوتاً ولا نفساً خوفاً من ذلك المتسلط المتعنت وإذا خرج تنفس الجميع الصعداء، بل قد تتجه الأيدي إلى الله الواحد القهار بأن يطلق أسرهم وينقذهم من عدوهم لأنه أصبح كالعدو بل أشد واعتي، والأدهى من ذلك والأمر أن البعض قد ينتقم من والده إما بقتل أو بفعل دسيسة من أجل الخروج من حبائل الظلم والعدوان.
ثم إن من الأزواج من يعامل الزوجة معاملة سيئة دنيئة لا يرضاها دين ولا عقل، ولا يقبل بها ذو همة ولا رأي، فضرب وأوامر ونواهي وسهر خارج المنزل، وإذا دخل منزله عبس وكشر وغضب وزمجر، وأما مع الأصدقاء والأصحاب فضحك وسمر وبشاشة واتساع صدر، فسبحان الله ألم يأمر الله تعالى بالنساء خيراً فهن الزوجات والأمهات والبنات والخالات والعـمات يـقول تعالى: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [سورة النساء: 129]، فحرم المولى جل وعلا متعددي الزوجات بعدم الميل إلى واحدة وترك الأخرى معلقة، أو الضحك مع واحدة والعبوس في وجه الأخرى، فلا بد من العدل وعدم الظلم وإلا جاء يوم القيامة وشقه مائلاً والعياذ بالله علامة يعرف بها أنه كان ممن لم يعدل بين زوجاته فيأتيه من ربه ما يستحق.
وقال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً» [صححه الألباني]، ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التعامل مع الزوجات من حسن خلق ولين جانب وحسن معاشرة فلنا من نبياً نحن معاشر الأزواج والأباء القدوة الحسنة والأسوة الطيبة، فلقد حرم الإسلام الضرب على الوجه أو الحرق بالنار والضرب المبرح أياً كان، لأنه (لا يعذب بالنار إلا رب النار) كما جاء ذلك صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس»، فاحذر من الظلم واعلم أن للمظلوم دعوة عند ربه لا ترد فإن أصابتك في الدنيا فهي الكارثة والخسارة، وإن أجلت لك إلى يوم القيامة فالكارثة أعظم والخسارة أكبر لأن هناك سيكون التعامل بالحسنات والسيئات فهل تتوقع أن يترك لك غريمك ومظلومك حسنة واحدة فالأمر خطير جد خطير والخطب جسيم والله سميع بصير.
ومن صور الظلم ظلم العمال والخدم والأجراء وظلم المعلم للطلاب وظلم الرئيس لمرءوسيه والظلم لإحقاق باطل وإبطال حق وإليك تفصيل ذلك:
فمن ظلم العمال أن يؤتى به من بلده بعد تكبده المشاق والمتاعب وكثرة المصاريف ثم تباع له التأشيرة ويترك داخل البلد يجوب الشوارع والأرصفة لإيجاد عمل وقد يجد وقد لا يجد وكل ذلك بطريقة غير نظامية أو يوجد للعامل عملاً على أن يأخذ الكفيل من العامل مبلغاً شهرياً وهذا عين السحت والحرام والعياذ بالله ، وكل جسد نبت من السحت فالنار أولى به كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن صور ظلم العمال المماطلة في إعطائهم مستحقاتهم من رواتب وحوافز وإجازات ولا يخفى على المسلم ما لذلك من ضرر على الكفيل ومكفوله من حيث العداء والتحدي مما قد ينتج عن ذلك الظلم عواقب لا تحمد عقباها.
ومن صور ظلم الخدم والأجراء ما يحصل لكثير منهم من قبل كفلائهم من سوء معاملة وضيق خلق وتعدي بالكلام الفاحش والبذيء ورديء الأخلاق وقد يصل الحمق والغطرسة بالبعض إلى استخدام العنف من ضرب وغيره أو تهديد بإلغاء العقد مع ما تحمله الخادم من مشاق ودفع نقود وبيع أثاث من أجل القدوم إلى هذه البلاد الطيبة المعطاء وإلى أهلها أهل الخير والوفاء راجياً الخير مقبلاً على الإسلام ومبتعداً عن الشر وتاركاً للشرك والبعد عن الآثام، ثم يقابل كل ذلك بوصمة عار يضعها كثير من الناس في جباههم بسوء أخلاقهم وسيئ معاشرتهم وقلة حيائهم وزاد الأمر خطورة وصعوبة باستقدام الخادمات اللاتي حضرن من أجل لقمة العيش والكفاف وإعفاف نفسها عما حرمه الله عليها ثم يأتي أناس لا يمتون للأخلاق والقيم الدينية بصلة وينتهكون أعراضهن وضياع حيائهن وقتل عفتهن، ونحن والله سفراء هذا الدين فإن حصل للدين ثلمة من قبلنا كان عاقبة ذلك عند ربنا خسراً فكونوا معاشر المسلمين خير سفراء لهذا الدين وكونوا أدوات بناء ومفاتيح خير واحذروا أن تكونوا معاول هدم ومفاتيح شر فكل العالم ينظر إليكم بأنكم القدوة الحسنة التي يقتدي بها، والأسوة الطيبة التي يحتذي بها فالله الله بالعلم والعمل وحسن الخلق وطيب المعاملة فديننا هو دين المعاملة وأكثر ما يدخل الناس الجنة حسن الخلق والتقوى.
ومن أنواع الظلم ظلم المعلم لطلابه، وذلك بإعطائه ما لا يستحق أو بخسه ما يستحق فكل ذلك ظلم وعدوان وتعد وطغيان.
ومن أنواع الظلم أيضاً ظلم الرئيس لمرؤوسيه بعدم إعطائهم حقهم من الدرجات أو هضمهم ما هم أهل له من العلاوات أو الإساءة إلى أحدهم في تقرير أو نقل بظلم وسوء تدبير والله هو العلي الكبير.
ومن أنواع الظلم محاباة شخص على آخر من أجل واسطة محرمة فيتم بذلك هضم الحقوق وإيقاع المفاسد بين الناس فيبطل الحق ويحق الباطل وهذا ظلم واضح لا يخفى على إنسان ذو عقل راجح.
فلنتق الله عباد الله وأخص بذلك حجاج بيت الله الحرام ولنكن اخوة متحابين متعاونين على البر والتقوى متناهين عن الإثم والعدوان وعلينا بحسن الخلق وعلينا بالرفق ولين الجانب فكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه» [صححه الألباني].